القدس العربي
12-2-2209
هنا رابط الدراسة




'لا يكفي الذي يكفي' لفواز قادري: الشاعر طارحا للسؤال! حروب الذات في نشور الكائنات أحمد عبد الزهرة الكعبي
12/02/2009
حين تستند الكتابة على الحداثة (وهذا حال قصيدة النثر) وعلى الابتكار الفني الذي يستميل الشاعر يكون النص الشعري في أعلى مستوياته الذهنية (والجمالية) إن حاور الشاعر اوجاع المتلقي فنا و صياغة وفكرة .فكما ان النص النثري الشعري مطالب بالتكثيف أو استلاب روح الهايكو من الشعر الياباني فعليه تقديم المبررات الإقناعية حين يخرج من هذا الميدان المعرف لنوع كهذا كون النظر إلى نص نشور الكائنات مجرد نظــرة يجعلنا في تساؤل كيف استطاع الشاعر أن يمجد كل هذه الاوجاع في خروج طوعي عن ماهية هذا النوع الشعري الذي يعتمد التكثيف، وأنا من المناوئين لتصور كهذا لأنه يدخل في إطار البرواز أو الإطار الذي خرجت عليه قصيدة النثر حين رمت كل الامور التقليدية وراء ظهرها سالكة طريقها بشكل آخر يختلف عمّا هو سائد في الشعر عربيا وعالميا رغم ان هناك من يدعي ان قصيدة النثر العربية عبارة استنساخ لعمل أوروبي أو قصيدة شعر مترجمة بشكل مخيب وفاشل! قصيدة النثر العربية تعاني من التنظير الدائم والاتهام الدائم وهو ليس موضوع الدراسة هنا التي تتناول شاعرا نثر ذاته في مجموعته 'لا يكفي الذي يكفي' الصادرة عن شمس للنشر والتوزيع 2008 القاهرة. إن قدم قصيدة النثر لا يحتاج أن نعيد الكلام فيه كما كانت الاشارات السابقة وما نقلته الاسفار القديمة سواء في الكتب السماوية أو الأساطير البابلية لدليل على ان هذا النوع له علاقة بمختبر الانسان المسمى بالتاريخ.نشور الكائناتالعنوان هنا مسلك إلى الأسئلة، وطريق إلى مهاجمة الشاعر، لكنه مطمئن فالسطور الأولى تبث قدرة فواز على النطق بشكل آخر لم نتعوده في الأجيال الثلاثة التي حاولت أن تؤسس الطريقة أو الاسلوبية للقصيدة الحديثة. هذا الاطمئنان يميل إلى تأويل واحد إن الشاعر لديه الممارسة الكافية او الدراية الكاملة بما يريد قوله وهذا المهم، وسط هذا التراشق الكمي في عدد النصوص المكتوبة، ربما يبدو من التجني على المجموعة تناول نص دون غيره على أساس إقامة الموازنة بين عوالم المجموعة، أرى ان ميل أي مطلع يجب أن يبرز بشكل واضح حتى تكون مواضع الاشارة فيها استقصاء و البحث الذي اجريته حول هذا النص من خلال قراءة كشفت جوانب لمستها بوضوح أردت الإشارة إليها بشكل تناسقي لا يهمش شيئا ولا يهشم الفحوى كما يفعل النقد في كثير الاحيان. فهو يقول تميمة الحياة كانتِ الأرض !!حتى يقول وغيومها يُسورها العطب ص44 أجواء النص واضحة منذ الوهلة الأولى كما أشرت وهناك نية لديه أن يأخذ القارئ إلى عالم التصور الكامل، استخدام المفردة الشعرية الوافرة تضيف هيبة للنص (اذا جاز لي القول) أو تميزه على سواه وهكذا تحرك فواز طوال السطور الشعرية المتخمة بعناصره الغرائبية التي تلامسنا في الحياة وتقاطعنا في عملها داخل القصيدة:الغيمة استعادتيديها المطريتينواستحالت الى غبار ص45 مدخل في عنوان النصالعنوان فيه دلائل رحلة سيمائية تهتم بالطرح العقلي والمقارنة بعيدا عن أجواء التقليد المتبعة وهذا وحده يجرنا إلى سؤال ماذا يريد شاعر أن يقول لقارئ يرتبط معه بواسطة السطور، هذا ليس مدخلا للحكمة كما تشير طريقة الطرح بل هو سباق خيالي إلى ماهية ما يراد طرحه في قصيدة 'نشور الكائنات'. الشاعر هنا استخدم لسان التقديم منذ السطور الأولى ليكون النص سياسيا من دون الاشارة الى وضع بعينه او التلميح الى أمر مـا فقد استلهم ذاته وسيرته بشكل يدعوك الى البحث في مفاوز المراد منه من نص طويل كهذا .. الشاعر الذي يخرج عن المألوف ويأتي ليقدم مجموعته بقلمه في إشارة تحسب له ص7-8.يناور الجميع على انه يسحب الأسئلة من المتلقي ليكون هو السائل وهذا ما حدث بالضبط منذ الوهلة الاولى اشركنا في لعبته الشعرية الفنية.هاربا الى فلواتي الهاربةلا يجدني طريقو لا تستدل خطايإلى أي شمس نابحة ص46 صوت من وحي المجموعةالذات وهمومها من بين ما يميز النص الشعري الحديث، شاعر قصيدة النثر ابتعد عن احدى أرذل الاغراض المتبعة في الانواع الاخرى المتمثلة بمديح الاخر وتقليده ما لا يستحق من المزايا كما هو الحال في مديح القادة والرؤساء والجلادين المتبع في الشعر المقفى، الشاعر الحديث أكد ان هذا النوع الشعري يمثل حالة سياسية خاصة ستكون متبعة في قادم الاعمال المستخلصة أو المستحدثة في الجوانب الادبية الأخرى واعني الرواية والقصة القصيرة والمسرح. وهذه مثلبة الا تجد قصيدة تمدح طاغية في نوع يكتب فيه معظم شعراء هذه المنطقة الملتهبة .يا أمنا الأرضلم تقم قيامة لنافقومي باخضرارك الكاسيببهجة موّزعة الأرواحمحطات داخل نص طويلقال الشاعر ان محاولات تصالحه مع الحياة كانت فاشلة دائما، وكنت اقرأ ذلك بين سطور هذه الملحمة المختصرة. في الكتابة الطويلة يكون النص عرضة للتلوث وأعني الطيران بعيدا عن اجوائه أو الهبوط في بقعة الابتعاد عن وحدة الموضوع. الأنا هذا المكان الهائل الذي يطالب من يصله بالكثير من أدوات الاقناع للحفاظ على جماله والخوض في نص طويل تكون الأنا نقطة المركز التي يدور حولها السطر الشعري تتطلب القدرة الكافية على الخروج من مطبات يكون الوقوع فيها طبيعيا في تجربة الشعر الحديث. والمعيارية في الادب تصطدم بنوع المنتج المطروح الذي ينبع دائما من سيولته الجمالية وتوهجه الذي يصرح بهوية الشاعر. هذا النوع النثري من الشعر يواجه ما تعوده المتلقي من موسيقية ونغم وغيرها من التبعات التي يحملها النص الجاهلي القديم بنص قد يحتوي على إيقاع او لا يحتوي حاملا فكرة قالها خليل مطران في ثلاثينيات القرن الماضي 'إن الوزن والقافية قيدان على الإبداع، وأنا بنفسي سوف أبدأ في التخلص من هذه القيود، وأكتب شعرًا يلائم الواقع الذي أعيشه'، ليأتي حاملا هذه الزوجية المتنافرة (شعر، نثر). وفي النشور ثمة ايقاع يلائم مفردات الحدث لغة وفنا كما هو الحال أدناه:وسأدلّ العيد إلى أعيادهالجُزُر إلى أرض مُفارقةأن أكتب أخيراقصيدة صلحللحياة التي تعاملني كعدوالكتابة القادمة من اللهجة المتداولة التي تتخلص من الاسلوب القديم في التعبير لتأخذ من مسالك الحياة الاخرى ومن ممراتها تكون مُتَنَيرة وفيها من الجمال ما يدعوك الى الارتباط بها وهذا ما فعله قادري حين نسج عباراته بلهجة تُدخلك اجواء الشعر ويضغط معانيه بشكل متتالٍ فلا تكاد تكتشف سطرا يخلو من نواياه حتى يباغتك بسحر النثر بتسخير المفردة في خدمة الجمال حين تناول سيرته ببساطة جميلة وغير متكلفة وهذه من مثالب قصيدة النثر المتخلصة من كل عُقَد السابقين:لم أصر ملاكا ولا شيطانارغم ما انكسر من أيامي هناخبزتي تأتي من كدح أعصابومن أرق العيونلربما يفاجأ الشاعر حين أصنف هذه القصيدة بانها قصيدة نثر سورية كونها تخوض في التفاصيل بشكل يغازل أخواتها في الشعر السوري و لا اراه عيبا بل هي روح الانتماء التي يحملها الشاعر وتظهر بشكل عفوي في مجموعته .. وفي نص 'نشور الكائنات' برز هذا الأمر لأن مرحلة الانتقال في الامكنة والوقوف على عتبة الروح ومنها إلى شرح الحال المتغربة جعل النص يحمل الكثير من الصور الدالة على نمطية النص الخالي من أي تعقيدات بنائية أو فكرية يحاول البعض من كتاب قصيدة النثر أن يجعلوها في سياق كتابتهم حتى تفرض على انها قطعة ادبية من وحي تراث وسفر كبير .وكم تأوّهت عروقك المكلومةعلى المنسولة من أجداثناولم يبق شاهداعلى قيامة ننتويهاإلاّ دمنا الكليم والحياةخاتمة ضروريةفي اطلالتها الاولى كقصيدة نثر في الخمسينات سجلت حضورها الجميل وظلت تنازع مناوئيها ومريديها بشكل وبـآخر لأن الاساءة الى مكوناتها كعمل ابداعي جاء من الجميع، فحافظت على جماليتها من خلال الكتابات التي ترفد الحياة بصور الواقع كما أثبتت على أنها نتاج مرحلة وأن هذا العدد الهائل الذي يكتب هذا النوع ابناء هذه الحياة. وفواز قادري شاعر يمارس هذا النوع الادبي المهم. مجموعة 'لا يكفي الذي يكفي' جاءت من قراءة لواقع عاشه الشاعر ونقله متفردا بآلامه ووقائعه، وهكذا كتابات أثبتت ان قصيدة النثر عالم واسع لا يمكن استسهاله كونه يتخلص من أساسيات قصائد الجاهليين القديمة لأنها احدى افرازات المكان (المدينة) بل هو عالم يحتاج الذي يدخله الى الكثير من الأدوات والتجارب كي يقدم نفسه .. وهذا ما فعله فواز قادري في نشور الكائنات وبعض قصائد المجموعة. ' شاعر من العراق يقيم في ألمانيا

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق