الأربعاء، 25 فبراير 2009

مقبرة سينارورة - جريدة الصباح 25-2-2009


مقبرة سينارورة
التاريخ:
Tuesday
, February 24ا

سم الصفحة: ثقافة

مقبرة سينارورة
أحمد عبد الزهرة الكعبي
عندما خرجت هذا الصباح أخبرتها بأن عودتي ليست أكيدة رفعت يدها عاليا بالدعاء ( تورية ) كانت امي ترمي وراء ابي طاسة ماء حين يخرج وهي عادة كانت تستخدمها البابليات
انذاك كون الماء لديهم يعني سلامة العودة وكثيرا ما تحدثوا في العراق عن الخصب والجدب وأن النماء يحتاج طقوسا اولها اعمال بسيطة يقوم بها المرء ، وما لمحته من رفعة يد لم افهمها جيدا ربما كانت تدعو الله بعدم عودتي وربما العكس لكني وهبتها المصروف اليومي كاملا المهم أني كنت بطلا هذا اليوم فلقد اخبرتها بأني لن أتصل بـ أهلها كما جرت العادة مهنئا بمناسبة العيد السعيد ، لم يتأخر الباص ولا ثانية تمام التاسعة ودقيقة وقف، صعدت اشتريت التذكرة من الماكنة وجلست اتصفح الجريدة قرأت أخبار البايرن ميونخ وقتاله العتيد في البوندسليغا ومن ثم خبر عن بوريس بيكر وصولا الى البورصات العالمية التي خسر فيها اهلها كل ماتبقى في جيوبهم لم أكن متشنجا ولا متشمتا بل كنت فرحا بأن سياراتهم الفارهة ستباع وربما اشتري واحدة بالاقساط المريحة كان أخوها الكبير يقول لي يجب أن تترك هذه الوظيفة وتاتي لتتعلم كيف تعيش آخر عشر سنوات من شبابك بمنتهى الزهللة و الزهللة مصطلح شعبي يدخل في متنه كل انواع الرفاه والبذخ ، والانحلال طبعا أحد مقوماته , كان ردي باهتا كالعادة اني وفي هذا الوقت أعكف على ترجمة أعمال شاعر اوروبي مغمور يقال ان مخطوطته تعادل عمر عشيرة نسيبي هذا وفي آخر الأمر انتهى بأن يسلفني مبلغا أستطيع من خلاله شراء لفة فلافل و خاتم لأخته ( عيد ميلادها ) التي تنتظر هديتي كي توبخني كالعادة لأن بابا اهداها هكتارا في سيدني قمت انا ببيعه لشراء مقبرة صغيرة لعائلتي التي تفرقت قبورها بفعل الشوارع التي وضعتها الحكومة قبل سنوات وكانت موافقة بشكل مذهل لاني أخبرتها باختياري قبراً واسعاً بينهم، القضية لاتتعدى الاوراق المالية وها هو هاتفي يرن- مرحبا- قل السلام عليكم يا ارعن لست تركيا حتى تخاطبني هكذا!!وراح يكلمني بمنتهى الادب والدقة , العجيب انه يريدني ان اكمل ترجمة اعمال الشاعر الاوروبي المغمور كي يقوم ببيعه لشركات طباعة كبيرة وانه سيجعلني على باب الشهرة.وافقت بالحال لاني سارى عملي مطبوعا- انزل من الباص وانتظرني.صعدت سيارته الفارهة .كانت شادية تطربه بـ والله يا زمن , هل يحزن هذا الصخل ؟ربما يتظاهر وبسببه كرهت شادية كثيرا قال لي سنوقع عقداً يسمح لي بالتصرف بهذا العمل . رن هاتفه- هلو سينارورة .وراح يكلمها بطريقة مثيرة للقرف , كم يكذب هؤلاء اخبرها انه يضع حجر الاساس لبناية روضة الاطفال وهو يضع اصبعه في أنفهقال لها سيأتي حالا واستدار بسيارته نحو المطعم مسكينة سينارورة ( يا له من إسم ) يذكرني بالحروب الاولى للطبيعة والبقاء للاصلح اول الامر تحدث عن ثيابه وماركته المفضلة Dolce & Gabbana , ابتسمت قائلا ظننتك تقول دولجة او ذبانه ( كلمة عامية تعني ذبابة ) ابتسم كاذبا وفكر في تغيير الموضوع . راح يتكلم عن الادب الروسي وتاثره بـ بوشكين وقطعا اجزم انه لايفرق بين بوشكين وبوش . وراح يتحدث عن محاولاته الاولى في قصيدة التفعيلة وكيف داخ البياتي بقصائده الاولى كنت اهز رأسي وراء كل جملة يقولها عله يسكت حتى اضطرني لايقافه حين قلت له- كم هي خسارتك ؟ كي أعلمك كتابة قصيدة النثرسكت مثلما توقعت المصيبة انه قال لي بيتا عن كبوة الجواد الاصيل ومن هذه الخزعبلات اكل هو مثل اي آفة واكتفيت بقدح قهوة وكأس ماء ..اتصلتْ بي - أين أنت .- مع أخيك!!- أهاهناك مؤامرة وأنا أحب الخسارات.اتفقنا ان يأخذ المقبرة له كاملة ويبيعها وأن يترك موضوع الشاعر والترجمة !! أموالكم ردت اليكمولكن بشرط أن يهبني سيارته ويعرفني على سينارورةقال لي ببرود بعد توقيع العقدـ سينارورة اسم من الخيال وأن اخته هي المتكلمة أما السيارة فسوف يعيدها الى مكتب الايجار- هنئيا لك المقبرة ولكن مامعنى سينارورة- سينارورة مصطلح فارغ مثل ترجمتك لشاعر فارغ- هنيئا للحياة بأمثالك- وبـ أمثالك

تركته وعدت الى الباص

ليست هناك تعليقات: