أدلجة المثقف والإعلام العراقي بعد العام 2003 أحمد عبدالزهرة الكعبي* أخذت الثقافة غير المطبوعة داخل العراق من الثمانينات حتى العام 2003 شكل المعارضة الحقيقية؛ وأعني الثقافة التي لم تندمج بأي شكل مع ماهية الحكم وشكله وطريقته. وبامكاني القول أن الساحة العراقية لم تشهد من يجابه نظام الحكم آنذاك مثل ما جابهته القصيدة والقصة والمسرح، الذي اخذ أشكالا ليست نمطية لدرجة تسيده ولأعوام على معظم الجوائز العربية مع تكريمه في أي محفل يحضره، وهذا ينبع من روحية النص المكتوب والدلالات التي فيه. لم تكن هناك معارضة حقيقية وملموسة في العراق لها تأثيرها القوي داخل الساحة العراقية كالأدب والثقافة والمثقف، وهذا الأمر لا يختلف عليه أحد. فحين يتردد على المسامع أسماء مثل الجواهري ومظفر النواب وغيرهم من الأسماء الكبيرة، نعرف أن هناك من يعارض الحكومة ويخالف رأيها هنا.
لم تهادن الثقافة العراقية الحقيقية يوما السلطة وان تعرضت للقمع وباتت حبيسة أسماء مشوهة ونمطيات سمجة لاعلاقة لها بالأدب، وأقول الثقافة الحقيقية ليس من باب هيكلتها وتبويب اتجاهتها بقدر ما هو إشارة إلى ما كان يحدث من تغييب وتقتيل في الجسد العراقي برمته.
فهل اخذ المثقف دوره بعد العام 2003؟ هل برزت أسماء بمستوى ما ذكرنا؟ هل حدثت عمليات تحول كبرى في الثقافة العراقية؟ واخيرا لماذا كل هذه العزلة العراقية؟ مقدمة في ما حدثلعبت النرجسية السياسية في العراق دورها فيه. وأصبح من النادر اكتشاف جزء يخلو من تأثير الميول والانتماءات. وهذه الميول تنحو الى الطائفية المذهبية، والتكتل الحزبي. ومن هنا حاولت الثقافة العراقية ان تقترب من هواجس الإنسان وهمومه محاولة نبذ التنافر بينه وما يحدث؛ بل وضعته في مناسبات كثيرة في الواجهة قبل أن تقضي عملية الاقصاء والتهميش والعبودية على كل ما أرادته لتبدأ مرحلة القيام من جديد. وفي كل مرة نجد الأحداث تتورم ليصبح المثقف بلا سقف في العراء تطارده السلطات ليصبح هو المنبوذ الحقيقي والمغيب بشكل تام.
بعد العام 2003 ظهرت يافطات الانتماء والترويج الثقافي لافكار قبل ان تصطدم بالاحتقان الداخلي الذي أدى أيضا الى مقتل بعض الأدباء. في الاعلام المقروء ظهرت نزعة التبعية، فكنا نلمح بان المقالة او القصة وحتى القصيدة لها تبعية معينة لأن الناشر له رأيه، ومنبع المال له كلمته، وان لم يظهر ذلك بشكل واضح، لكن اكتشافه كان سهلا لأن كل المتنفذين لهم جرائد وكتاب. الثقافة العراقية اليسارية ربما اصطدمت بفقرها المادي أمام الثقافات الأخرى التي تحتفظ بأصول عرقية او دينية لها اليد الطولى في الخزينة العراقية. الأمر كشف عورة اللامنتمين أيضا وأصبحوا دون وظائف بل ودون مصدر رزق وهو حال معظم أدباء العراق في الوقت الراهن.
هناك هروب جماعي لمثقفي العراق لا يمكن تجاهله، بل له تأثيره السلبي في نمو ونوع النص بكل أشكاله، حتى أصبحنا نشاهد تفوق الدارج والشعبي بشكل ملموس ولربما وجوده بشكل واضح على صعيد الشعر، أعني ـ ليس هذا قصد المقال الذي يحاول إبراز العيوب التي حالت إلى توقف نمو الثقافة العراقية التي تعاني من شلل مقارنة بما عرف عنها ـ ان الاعلام لازال تعبويا يعيش حالة الطوارئ ويبتعد بشكل كبير عن كل ما هو مرتبط بالمعرفة ومتنافر مع ليبرالية الأدب وتفرده؛ فالرأي المطروح هو فكرة تنظيمية تخدم جهة على حساب أخرى، مبتعدا عن صيغ الحقوق التي يجب أن ينعم بها أي فرد مهما كان حجمه داخل مجتمعه، فكان المعروض أقرب ما يكون لنفايات تتجاوز على أبسط قيم التعايش وفهم الآخر. عاش العراق نهجا حزبيا يمثل فكرة القومية وتمجيد السلطة والحاكم بشكل امتد لعقود، فأنتج لنا ركاما من المحاولات لم تصمد أمام تيار واحد وهو بقاء السلطة. أما الثقافة فأصبحت مقالا يوميا مسروق الفكرة في الكثير من الأحيان.
هناك تعليق واحد:
أدلجة المثقف والإعلام العراقي بعد العام 2003
أحمد عبدالزهرة الكعبي*
أخذت الثقافة غير المطبوعة داخل العراق من الثمانينات حتى العام 2003 شكل المعارضة الحقيقية؛ وأعني الثقافة التي لم تندمج بأي شكل مع ماهية الحكم وشكله وطريقته. وبامكاني القول أن الساحة العراقية لم تشهد من يجابه نظام الحكم آنذاك مثل ما جابهته القصيدة والقصة والمسرح، الذي اخذ أشكالا ليست نمطية لدرجة تسيده ولأعوام على معظم الجوائز العربية مع تكريمه في أي محفل يحضره، وهذا ينبع من روحية النص المكتوب والدلالات التي فيه. لم تكن هناك معارضة حقيقية وملموسة في العراق لها تأثيرها القوي داخل الساحة العراقية كالأدب والثقافة والمثقف، وهذا الأمر لا يختلف عليه أحد. فحين يتردد على المسامع أسماء مثل الجواهري ومظفر النواب وغيرهم من الأسماء الكبيرة، نعرف أن هناك من يعارض الحكومة ويخالف رأيها هنا.
لم تهادن الثقافة العراقية الحقيقية يوما السلطة وان تعرضت للقمع وباتت حبيسة أسماء مشوهة ونمطيات سمجة لاعلاقة لها بالأدب، وأقول الثقافة الحقيقية ليس من باب هيكلتها وتبويب اتجاهتها بقدر ما هو إشارة إلى ما كان يحدث من تغييب وتقتيل في الجسد العراقي برمته.
فهل اخذ المثقف دوره بعد العام 2003؟ هل برزت أسماء بمستوى ما ذكرنا؟ هل حدثت عمليات تحول كبرى في الثقافة العراقية؟ واخيرا لماذا كل هذه العزلة العراقية؟ مقدمة في ما حدثلعبت النرجسية السياسية في العراق دورها فيه. وأصبح من النادر اكتشاف جزء يخلو من تأثير الميول والانتماءات. وهذه الميول تنحو الى الطائفية المذهبية، والتكتل الحزبي. ومن هنا حاولت الثقافة العراقية ان تقترب من هواجس الإنسان وهمومه محاولة نبذ التنافر بينه وما يحدث؛ بل وضعته في مناسبات كثيرة في الواجهة قبل أن تقضي عملية الاقصاء والتهميش والعبودية على كل ما أرادته لتبدأ مرحلة القيام من جديد. وفي كل مرة نجد الأحداث تتورم ليصبح المثقف بلا سقف في العراء تطارده السلطات ليصبح هو المنبوذ الحقيقي والمغيب بشكل تام.
بعد العام 2003 ظهرت يافطات الانتماء والترويج الثقافي لافكار قبل ان تصطدم بالاحتقان الداخلي الذي أدى أيضا الى مقتل بعض الأدباء. في الاعلام المقروء ظهرت نزعة التبعية، فكنا نلمح بان المقالة او القصة وحتى القصيدة لها تبعية معينة لأن الناشر له رأيه، ومنبع المال له كلمته، وان لم يظهر ذلك بشكل واضح، لكن اكتشافه كان سهلا لأن كل المتنفذين لهم جرائد وكتاب. الثقافة العراقية اليسارية ربما اصطدمت بفقرها المادي أمام الثقافات الأخرى التي تحتفظ بأصول عرقية او دينية لها اليد الطولى في الخزينة العراقية. الأمر كشف عورة اللامنتمين أيضا وأصبحوا دون وظائف بل ودون مصدر رزق وهو حال معظم أدباء العراق في الوقت الراهن.
هناك هروب جماعي لمثقفي العراق لا يمكن تجاهله، بل له تأثيره السلبي في نمو ونوع النص بكل أشكاله، حتى أصبحنا نشاهد تفوق الدارج والشعبي بشكل ملموس ولربما وجوده بشكل واضح على صعيد الشعر، أعني ـ ليس هذا قصد المقال الذي يحاول إبراز العيوب التي حالت إلى توقف نمو الثقافة العراقية التي تعاني من شلل مقارنة بما عرف عنها ـ ان الاعلام لازال تعبويا يعيش حالة الطوارئ ويبتعد بشكل كبير عن كل ما هو مرتبط بالمعرفة ومتنافر مع ليبرالية الأدب وتفرده؛ فالرأي المطروح هو فكرة تنظيمية تخدم جهة على حساب أخرى، مبتعدا عن صيغ الحقوق التي يجب أن ينعم بها أي فرد مهما كان حجمه داخل مجتمعه، فكان المعروض أقرب ما يكون لنفايات تتجاوز على أبسط قيم التعايش وفهم الآخر. عاش العراق نهجا حزبيا يمثل فكرة القومية وتمجيد السلطة والحاكم بشكل امتد لعقود، فأنتج لنا ركاما من المحاولات لم تصمد أمام تيار واحد وهو بقاء السلطة. أما الثقافة فأصبحت مقالا يوميا مسروق الفكرة في الكثير من الأحيان.
* شاعر ومسرحي عراقي مغترب
إرسال تعليق